نواصل معاك البحث ...
الفرع الاول
نطاق حجية حكم التحكيم من ناحية الموضوع
يرتبط تحديد نطاق حجية حكم التحكيم من ناحية الموضوع أي محل النزاع وسببه,إرتباطا وثيقا بتحديد نطاق
إتفاق التحكيم,فحكم التحكيم لايتمتع بالحجية إلا في حدود مافصل فيه من خلاف تضمنه
إتفاق التحكيم.(1)
فالمسألة التي طرحت على التحكيم والتي كانت محل منازعة من الطرفين ومحل بحث من جانب هيئة التحكيم ,فهذه المسألة وحدها هي التي تحوز الحجية دون تلك التي عرضت على هيئة التحكيم,ولم تكن محل منازعة بين الخصوم,أو كانت محل
منازعة بين الخصوم ولكنها لم تكن محل بحث من جانب هيئة التحكيم وأغفلت الفصل
فيها,فليست العبرة فقط بما تم الإتفاق عليه أن يكون موضوعا للتحكيم, وإنما العبرة
بما طرح على بساط البحث فعلا-لاضمنا- أمام هيئة التحكيم في حكمها بالفصل, فإذا كانت
هذه المسألة المحكوم فيها هي ذاتها التي يرغب أحد الخصوم طرحها على القضاء أو على
هيئة تحكيم أخرى رغبة في الفصل فيها من جديد ,أمكن لخصمه دفع دعواه بسبق الفصل فيها
بالتحكيم.(2)
ولايضفي القانون الحجية على حكم التحكيم في كل ما إشتمل عليه
,وإنما تقتصر هذه الحجية على"منطوق الحكم" أي ما إنتهى إليه الحكم من إدانة او
إبراء لذمة طرف في مواجهة طرف آخر,كما تمتد إلى الأسباب بالقدر الكافي لحمل هذا
المنطوق, فإذا إستطرد الحكم لا تسبغ عليه الحجية , وإذا كان الأمر ميسورا في أحكام
القضاء,حيث إكتسبت صياغة الأحكام نوعا من الترتيب الذي أصبح دارجا , يجعل الأمر
واضحا,
1- أنظر بهذا المعنى – محمود بريري – المرجع السابق – صفحة 279
.
2- أنظر- احمد صاوي – المرجع السابق – صفحة 265 .
فثم تقرير
للوقائع ثم تكييف للنزاع وتحديد النصوص القانونية واجبة الإعمال ثم تسبيب الحكم,على
نحو يفضي إلى النتيجة النتي إنتهى إليها ,فأما تحرير أحكام التحكيم لايتولاها دائما
قانونيون وإنما قد يعهد بصياغتها لأصحاب الخبرة من المحكمين تبعا لطبيعة النزاع ,
مما يضفي نوعا من الصعوبة في رسم حدود الحجية وإستخلاص المنطوق , ومايلزم من أسباب
لحمله, وتبدو أهمية ذلك في أن ما لايدخل في منطوق الحكم لايعد داخلا تحت مفهوم حكم
التحكيم , فالمنطوق ومايرتبط به من أسباب هما مناط تحديد نطاق الحجية , بحيث يظل كل
ما لايدخل في هذا النطاق أمرا من الممكن طرحه أمام القضاء دون إمكان التمسك بحجية
حكم التحكيم , فإذا تعلق إتفاق التحكيم وتحديد نطاقه بتفسير نصوص العقد المبرم بين
الأطراف في حالة إختلافهما في التفسير, فإن هذا لايمتد لمطالبة طرف للطرف الآخر
بمستحقاته التي يرتبط تحديدها بمعاينة ماتم من أعمال دون وجود أي خلاف حول تفسير
العقد.(1)
1- أنظر بهذا
المعنى – محمود بريري – المرجع السابق – صفحة 280 .
الفرع الثاني
نطاق حجية حكم التحكيم من حيث الأشخاص
إذا كان من المسلم به أن إتفاق التحكيم شأنه شأن حكم القضاء,لايكون حجة إلا على أطرافه أخذا بمبدأ نسبية
الأحكام, فأطراف الدعوى التي صدر فيها الحكم ,والذين أعلنوا بها وتمكنوا بناء على
ذلك من إبداء أوجه دفاعهم ,هم وحدهم الذين يحتج عليهم بالحكم , ولايصح في هذا
المقام الخلط بين القوة الملزمة لإتفاق التحكيم وحجية حكم التحكيم , الذي يصدر بناء
على هذا الإتفاق , فالإتفاق قد يتعدد أطرافه,فتمتد قوته الإلزامية إلى الجميع , ومع
ذلك لايكون للحكم الصادر حجية, إذا لم يتم إعلان الجميع بالحضور أمام هيئة التحكيم
, وإقتصرت خصومة التحكيم على بعض أطراف الإتفاق, فهنا رغم إلتزام الجميع بإتفاق
التحكيم , فالحكم لايحتج به على أطراف الإتفاق الذين لم يثر بينهم نزاع ولم يشاركوا
في خصومة التحكيم , فإذا تعلق الأمر بشركة تضامن, تضمن أحد بنودها نصا يلزم الأطراف
بالإلتجاء للتحكم في المنازعات التي تنشأ فيما بينهم أو فيما بينهم وبين الشركة ,
ثم ثار نزاع بين أحد الشركاء والشركة بشأن تصفية حساباته , وتم الإلتجاء للتحكيم ,
فإن الحكم الذي يصدر لايحتج به إلا في العلاقة بين هذا الشريك والشركة , ولايمتد
أثره لبقية الشركاء , فالحكم حجة في مواجهة من أعلن بطلب التحكيم دون سواه ممن لم
توجه إليهم الإجراءات ولم يشاركوا في إجراءات التحكيم ومن المسلم به أيضا أن إتفاق
التحكيم يمتد أثره إلى من يعتبر طرفا فيه حتى ولو لم يوقع بنفسه على الإتفاق إذا
كان من وقع على الإتفاق يمثله.(1)
وبالتالي فلا تسري الحجية في مواجهة ممثلي الخصوم ,وإنما في مواجهة الخصوم أنفسهم, فإذا رفع وكيل الدائنين دعوى مطالبا بتثبيت
ملكية المفلس , ورفضت الدعوى فإن المفلس بعد إنتهاء التفليسة لايملك رفع الدعوى
نفسها , ولكن يجوز لوكيل الدائنين
1- أنظر بهذا المعنى – محمود بريري –
المرجع السابق – صفحة 282.
رفع الدعوى مطالبا بتثبيت ملكية العقار نفسه , فالحجية مرتبطة بنزاع بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم ,ولكن لايتعارض مع
ماسبق , إمتداد الحجية للخلف العام والخاص , كما تمتد حجية الاحكام في حالة التضامن
, وإذا كان صادرا لصالح أحدهم مادام لايرتبط بسبب خاص به,أو إذا كان صادرا ضد أحدهم
فلا يحتج به في مواجهة الباقيين وذلك إعمالا لأحكام التضامن.(1)
1-انظر بهذا المعنى- احمد صاوي – المرجع السابق – صفحة 262.
المبحث الثاني
تنفيذ حكم التحكيم وضوابطه
لقد أعطى القانون لهيئة التحكيم سلطات معينة فيما يتعلق بقرار التحكيم , وفي الوقت نفسه قد فرض رقابة من قبل القضاء على
هذه الأحكام , بناء على ذلك سوف نقسم دراستنا في هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: سلطات هيئة التحكيم.
المطلب الثاني: رقابة القضاء على أحكام المحكمين.
المطلب الاول
سلطات هيئة التحكيم
- إصدار حكم المحكمين:
نصت المادة 38/4 من قانون التحكيم الفلسطيني على أنه"- يصدر قرار
التحكيم بالإجماع أو بأكثرية الآراء بعد المداولة إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من
أكثر من محكم واحد، أو بقرار من المرجح عند تعذر الحصول على الأكثرية."
يتبع ..